الأحد، 19 فبراير 2012

عمرو موسي‮.. ‬ذلك المحيّر‮!‬



قيل وقتها إن الرجل قصد تهدئة الموقف،‮ ‬ليطمئن الثوار بأن رسالتهم وصلت للمسئولين،‮ ‬وحلف البعض بالطلاق بأن مجرد تواجده في الميدان يعني انضمامه للثورة،‮ ‬ومرر آخرون فكرة ترشيحه للرئاسة،‮ ‬وهم يتغنون بمعارك دبلوماسية خاضها أمين عام الجامعة العربية ضد رموز العدو الصهيوني،‮ ‬وهو ما جعل أنصاره يرددون أغنية شعبان عبد الرحيم‮ "‬بحب عمرو موسي‮.. ‬وبكره إسرائيل‮.. ‬وهييييييييييي‮..".‬
‮❊❊❊‬
ذكاء سياسي نادر يمتاز به موسي جعل منه شخصية أقرب ما تكون إلي‮ "‬رجل من أهل الخطوة‮" ‬كما يقول الصوفية‮. ‬قادر علي التواجد مع الجميع،‮ ‬ويستطيع أن يكون في صف النظام ويرسل منه نسخة أخري إلي الثوار،‮ ‬دون أن يجرؤ أحد الفريقين علي اتهامه بالغياب،‮ ‬أو انحيازه لمصلحة طرف ضد آخر‮.‬
مهارة اكتسبها الرجل من رحلة عملية طويلة،‮ ‬تقلد خلالها أرفع المناصب الدبلوماسية في مصر،‮ ‬فتصور أنه الفتوة السياسي الذي سيخطف مقعد الرئيس‮ "‬ويجري‮"‬،‮ ‬وتناسي الشيخ المسن أن مصر الشابة بعد الثورة من حقها أن تتباهي بقائد‮ "‬جديد لنج‮ " ‬بالكرتونة لم يستعمله النظام البائد،‮ ‬أويستهلكه ويلطخه ببصماته‮. ‬
أما موقف عمرو موسي من الرئيس السابق فهو معروف ومنتشر علي شبكة الإنترنت ويمكنك أن تشاهده صوت وصورة علي‮ "‬يوتيوب‮" ‬خزّن لمعالي الأمين العام السابق لقطات من لقاء تلفزيوني قبل اندلاع الثورة يؤكد فيه بأن صوته محجوز لمبارك لأنه لا يري‮ ‬غيره يصلح لإدارة البلاد في الوقت الذي وصف فيه جمال مبارك بالشاب الطموح‮.‬
تصريح يتوافق مع ماضي موسي بوصفه من كان الفارس الأول للخارجية المصرية في زمن مبارك،‮ ‬والمهندس الذي اعتمد عليه النظام في رسم خارطة طريق لعلاقاتنا الخارجية وكيفية تعاملنا مع مختلف القضايا الدولية التي جعلت الدور المصري يتراجع حتي أصبح‮ "‬حاجة تكسف‮"‬
‮❊❊❊‬
نظر عمرو موسي من نافذته المطلة علي ميدان التحرير فرقص مقعد الرئاسة في عينيه،‮ ‬وهو يري الملايين تحتشد في الميدان تطالب بإسقاط الرئيس،‮ ‬وكانت نظارته الشمسية بجانبه علي المكتب فوضعها علي أرنبة أنفه،‮ ‬وخرج يشق الجموع،‮ ‬ولسان حاله يقول‮: ‬لو نجحت الثورة فقد شاركت فيها،‮ ‬ولو فشلت ورجع الشباب إلي بيوتهم وحدثت التهدئة‮ "‬يبقي أنا اللي عملتها‮" ‬وبالمرة حين يسألني أحد عن نيتي في الترشيح للرئاسة سأتحجج بالدستور الذي يمنع المصريين من التمتع بحكمي‮.‬
قدرة عمرو موسي علي استيعاب الثورة جعلته يجسد دور حكيم،‮ ‬يتفق مع طموحه الشخصي في أن يترك العمل السياسي وهو يحمل لقب رئيس سابق‮.‬
اعتمد موسي في تعليقاته علي الأحداث الجارية بسياسته الحيادية المعروف بها،‮ ‬وتحليلاته التي ترضي جميع الأطراف بما فيها التيارات الإسلامية المختلفة،‮ ‬لينفرد بالصفر علي قائمة أعدائه ليتسلل بنعومة‮  ‬إلي صف المرشحين علي رئاسة الجمهورية‮.‬
ولعمرو موسي رؤية تمكنه من بسط عينيه علي خريطة الأصوات الانتخابية كاملة وهو ما جعله يستفيد من الأخطاء القاتلة لحكم الرئيس المخلوع بدلا من تضييع الوقت في انتقادها‮.‬
عرف موسي أن صناديق الانتخاب موزعة علي أنحاء الجمهورية المختلفة،‮ ‬وأدرك أن القاهرة هي التورتة التي يتصارع عليها الجميع،‮ ‬وبالتالي سيتم توزيعها علي نظرائه من المرشحين ولن ينل منها في النهاية إلا‮ "‬فتفوتة‮" ‬لا تسمن ولا تغني من جوع‮.‬
ترك الخبير الحلبة يتقاتل فيها رفقاؤه ليقضي كل منهم علي الآخر،‮ ‬واتجه جنوبا ليدشن حملته الانتخابية من الصعيد حيث رفقاء الماضي من أزلام الحزب الوطني الذين لم تطلهم الثورة،‮ ‬ولن يستطيع فكرها التأثير علي بنية قبلية متجذرة ضمنت للحزب الحاكم في الماضي سلطة مطلقة ونفوذا مستمرا‮.‬
‮❊❊❊‬
أدرك السياسي المحنك أن الديمقراطية تعني بالنسبة للمصريين ضمان وصول أصواتهم الحقيقية إلي صناديق الانتخابات ونجاح رأي الأغلبية حتي لو أتت بالأسوأ أحيانا‮.‬
وفهم وحده‮- ‬دون‮ ‬غيره من المرشحين‮- ‬طبيعة الجنوبيين التي ليست بحاجة إلي مناقشات أيديولوجية تجعل الواحد منهم يغير رأيه كل حين،‮ ‬وأن الأمور هناك تتم باتفاق كل قبيلة أو عائلة علي اسم مرشح معين يتم الاستقرار عليه فتخرج عن بكرة أبيها لتسانده،‮ ‬فأراد ببساطة أن يكون هو هذا المرشح‮.‬
فهل ينجح عمرو موسي في الوصول إلي هدفه؟‮.. ‬خاصة إذا عرفنا أن شيوخ القبائل والعائلات ممن يديرون المسألة لا ينظر إليهم هناك كفلول للحزب الوطني بقدر ما أنهم كانوا يتعاملون مع الحزب المنحل لأنه يضعهم في مناصب الحاشية مقابل مناصرتهم له،‮ ‬وبالتالي فهم أول من تبرأوا منه ولعنوه بعد أن‮ ‬غادره مبارك،‮ ‬ومستعدون لوضع يدهم في يد أي حاكم يضمنون وصوله للسلطة،‮ ‬وبالتالي فعندما يوهمهم موسي بأنه الأقرب للمقعد فسيصدقونه لأنه يعتمد في حديثه علي خبرة سياسية مقنعة،‮ ‬فضلا عن تواجده الدائم في دائرة الضوء عن طريق علاقاته الواسعة مع كل أطراف اللعبة سواء في الداخل أو الخارج‮.‬
‮❊❊❊‬
قراءة موسي الاستباقية للواقع السياسي مكنته من نجاح مبكر،‮ ‬لم يفسده إلا ثوار التحرير الذين راحوا يذكرون الناس بالماضي القريب لأمين جامعة الدول العربية السابق الذي يحظي بود متبادل بينه وبين النظام السابق امتد إلي السلطة التالية التي هي المجلس العسكري في مقابل أنه لم يتخذ موقفا جديا‮ ‬– باستثناء البيانات‮- ‬تضمن ولاءه الثورة يناير التي منحته الحق في الترشح لهذا المنصب‮.‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق